إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 18 نوفمبر 2017

ذكريات شيخ على المعاش (2)

ذكريات شيخ على المعاش
( 2 )
الحلم الناقص
لكل منا حلم أو هدف يتمنى تحقيقه وكما قلت كان حلمى ان أعيش فترة المعاش بشكل معين وطوال سنين العمل كان يمر بخاطرى تفاصيل هذا الحلم

كنت كلما زادت علىّ ضغوط العمل اهرب للحظات أفكر في حلمى عند الاستقرار وكأنى مخرج سينمائى يرتب مشاهد فيلمه وكان هذا الفيلم يتضمن أسلوب حياة مريح بسيط يتمثل في الاستيقاظ لصلاة الفجر وقراءة القرآن لفترة حتى ظهور ضوء النهار والجلوس في الشرفة لمراقبة الناس في ذهابهم الى مدارسهم واعمالهم لفترة ثم
ارتداء ملابسى وعمل القهوة في ترمس ثم الخروج لشراء الصحف والذهاب الى النادى

ممارسة المشى لمدة نصف ساعة لتنشيط الجسم ثم الجلوس في التراس لقراءة الصحف وشرب القهوة من الترمس الخاص بى  ونظرا لعملى في السعودية لسنوات طويلة في جو حار كان حلمى دائما انى سأمارس هذه الطقوس في جو بارد يتخلله زخات من المطر

لكن حتى هذه الطقوس البسيطة لم احصل عليها

تقاعدت نعم ولكن تقاعد لظروف صحية تمنعنى من المشى او بذل مجهود

حلم ناقص
ولكنى طوعت نفسى على ان استمتع بما حصلت عليه من هذا الفيلم الذى كان في مخيلتى
أشرب القهوة في شرفة منزلى واتصفح بعض الكتب عوضا عن الصحف التى لم يعد فيها ما يشجع على القراءة واستبدلتها بتصفح بعض المواقع على النت

بالأمس وجدت ايميل من منظمة التجارة العالمية جعلنى ارجع بفكرى لسنوات

في يناير وفبراير 2011 كنت في جولة في المانيا للترتيب لمشروع انشاء مصنع كبير لانتاج الحلويات
وكان الترتيب لهذا المصنع يشمل دراسة كل ما يخصه من ماكينات ومواد خام وعمال وموظفين وايضا التسويق له سواء داخل السعودية او خارجها
فاشتركت في منظمة التجارة العالمية لتوافينى بحركة تلك المنتجات سواء من حيث الانتاج او التصدير والاستيراد في العالم كله

كان الناس في مصر يقومون بثورة غيرت وجه الحياة هنا وكنت انا في المانيا اتنقل من شركة الى اخرى اناقش مواصفات الماكينات واناقش اسعار وظروف تمويل

كم احببت المانيا
بلد جميل وشعب ملتزم

سرحت بخيالى في الفرق بين ماكنت افعله ايامها وبين اليوم
وحيدا في المانيا اتنقل بين مدنها المختلفة طبقا لجدول مسبق كان يعجبنى جدا التنقل بالقطار وعادة ما كانت الفنادق قريبة من محطات القطار فكنت اذهب اليها مشيا اتصفح الوجوه والمحلات .. اعرج على بعض المطاعم اتناول طعامى . . اسير في الطرقات في جو شديد البرودة ولكن ممتع جدا

بقدر ما استمتعت في هذه الرحلة الطويلة بقدر ما اضحك بشدة كلما تذكرتها

اضحك لفشل هذا المشروع

كما قلت هو كان مشروع لانتاج الحلويات وبدون غرور ولكنها الحقيقة قمت بالتحضير له بكل ضمير وايضا براعة ... دراسة ماكينات وخامات ومبانى وعمال وزيارة شركات الماكينات والخامات وايضا شركات مماثلة في الانتاج واصبح المشروع جاهزا على البداية

هنا تدخل سكرتير المستثمر السعودى بالفهلوة  المصرية اقنعه ان ينهى عملى ويكفى ما حصلت عليه من مقابل ويكفيه الحصول على الملفات التى لدى لاستكمال المشروع بمعرفته توفيرا للنفقات
حيث كان اتفاقى مع الرجل السعودى على مقابل يدفع بعد انتهاء كل مرحلة

السعودى الغبى وافقه وطلب منى وهو يبتسم ابتسامة صفراء كل ما لدى من ملفات لدراستها !!!

رغم انى كنت ارسل له نسخة من كل المراسلات والمفترض ان سكرتيره كان ينظمها في ملفات لكنى تجاهلت معرفتى انه يريد ان يزيحنى ويكتفى بهذا القدر من العمل

المهم

سلمته الملفات كلها ووقتها اخبرنى انه لا يريد منى الاستمرار وسيكمل الامر بنفسه وبالطبع كان لى مستحقات عنده راوغ في دفعها
الظريف في الامر
انه بعد هذه المقابلة بشهرين اتصل بى السكرتير المصرى ليخبرنى ان الرجل السعودى غاضب جدا ويتهمنى بعدم الضمير

اه والله

عدم الضمير لانى لم اكتب تقرير وافى على كل ملف اشرح فيه ما يتضمنه وانهم تائهين بين الملفات ويريدون منى ان اذهب لهم لترتيبها وشرح محتواها

ضحكت يومها بشدة وانا اغلق الخط في وجهه
ولازلت اضحك كلما تذكرته

بالمناسبة المشروع توقف ولم يتم واكتشفت ان السعودى كان له شركاء انقلبوا عليه بعد خروجى واتهموه بالغباء وعدم الدراية وانفضت الشركة

كان هذا هو المشروع الوحيد الذى فشلت في انهائه لكنه المشروع الوحيد الذى يذكرنى بايام جميلة قضيتها في المانيا ويذكرنى ايضا ان حلمى الذى حلمت به حلما ناقصا كلما تذكرت جولات طويلة في شوارع المدن الالمانية اسير فيها على قدمى وحالى الان وانا لا استطيع المسير لخطوات دون عكاز
.....
لست حزينا على عدم اكتمال الحلم بل انى والله احمد الله على ما تحقق منه
فالعاقل من يشكر الله على ما به من نعمة ولا يتحسر على ما فاته
الحمد لله
خذها نصيحة منى استمتع بما في متناول يدك ولا تضيع وقتا في الحزن على ما فات فالدنيا لن تكون الجنة ابدا والجنة وحدها هى ما بها الحياة الكاملة بدون منغصات
متعكم الله بالصحة والعافية

والى لقاء اخر مع تخاريف الرحال او لنقل مع ذكريات شيخ على المعاش 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.