إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

ذكريات شيخ على المعاش (4)

ذكريات شيخ على المعاش
 4 )
العمر المسروق
الصحابى الجليل عمرو بن العاص عاش ما يقارب التسعين عاما خاض فيها حروب ومعارك عديدة وكان له في التاريخ الاسلامى تأثيرا ملحوظا وقد توفى رحمه الله على سريره شيخا هرما
خاض ما خاض من معارك واصيب بطعنات سيوف وسهام لا حصر لها ومات على سريره
يخطر ببالى هذا الصحابى كلما تفكرت فيما مضى من عمرى الذى أشعر انه سرق منى .. سرقته طريقة حياتى
طوال عمرى كنت كمن يسابق الزمن في مجالين

أولهما مجال عملى
ثانيهما دراسة الدين

ففى مجال عملى كنت أدرس كثيرا ولم اتوقف عن دراسة كل ما يتعلق به الا منذ عامين فقط وكنت سعيدا بتقدمى في هذا المجال .. كنت أعمل باجتهاد شديد ليس طلبا لمكافأة من ارباب العمل بل كان يرضينى جدا نجاحى فيما اوكل الىّ وما أكثر الألقاب التى حصلت عليها
مدير مصنع .. مدير عام شركة .. استشارى لشركات اجنبية .. مستشار عام وخلافه
سنين طويلة وانا اهرول في طريق العمل .. سافرت لكثير من الدول وبالامس جلست أضحك من نفسى وانا اتفقد ملابسى الشتوية فقد وجدت العديد من الملابس التى اشتريتها من بلاد كثيرة وكنت ادخرها لارتديها عند استقرارى في مصر

وها انا الازم منزلى لا استطيع الحركة الا بصعوبة وتظل الملابس في أكياسها
مر العمر سريعا .. سرق منى ولم أشعر
المجال الثانى الذى كنت اجرى فيه بمنتهى القوة هو دراسة الدين بكل فروعه وقد درست الكثير من فروع الدين .علوم القرآن .. التفسير .. الحديث .. الفقه وغيره

ولكن ما هى فائدة هذا الآن ؟ كنت في دراستى ابتغى نشر العلم بين الآخرين ولم استطع
ايضا ضحكت بالأمس كثيرا عندما وجدت احد الأصدقاء على الفيس بوك ينشر كلاما متعارضا مع عقيدتنا ويسخر بشدة من البخارى ومسلم في معرض سخريته من رجال الصحابة فكتبت اليه منبها بهدوء
ولكنه استشاط غضبا وكتب مقالة طويلة يسخر فيها منى ومن تقديسى لرجال لا قدسية لهم ولم يفهم انى احترم تلك الكتب التى تحوى السنة المطهرة

للأسف الشديد يتخبط في حديثه مما يشعرنى انه مجرد باحث عن الشهرة بسخريته من رجال يصعب الحكم عليهم ويكفيهم فخرا انهم صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام
كتب كلاما كثيرا ثم قام بحذفى حتى لا ارد عليه واكتفى بتصفيق البعض ممن يشابهه

سرقت الحياة عمرى

لم استمتع بها .. قضيتها في جرى سريع في العمل والدراسة ولم التقط انفاسى الا الان .. الهث من التعب
لماذا اشعر ان عمرى قد سرق
لانى لم استمتع بهدوء الحياة مع عائلتى واصدقائى
عدت للوطن فوجدت اصدقائى قد توفاهم الله وكل ما خططت له من قضاء وقت معهم قد اختفى

خذها نصيحة منى

كن وسطا في عملك ودراستك
خذ منهما ما يكفيك وعش مع اهلك .. اقض معهم بعض الوقت فمهما لهثت وراء العلم فلن تكتفى ولن يكتفى عقلك

خذ من علوم دينك ما يقربك من الله فقد اصبح الاخرون غير قادرين على الاستماع وكل شخص يعتقد انه عالم ببواطن الامور

سرق العمر سريعا

وها انا مثل عمرو بن العاص انتظر الموت على سريرى وليس لى الا ما اكتسبت من عمل
وها انا احاول ان ازيد من ميزان عملى بالقرآن والصدقة وفعل الخير

وما اصعب فعل الخير في زمن يتطاول فيه الاقزام على العمالقة من الصحابة والفقهاء


لا تنتظر حتى تكون شيخا مثلى بل سارع من الآن بفعل الخيرات ولا تدع للحياة فرصة ان تسرق عمرك 

الأربعاء، 22 نوفمبر 2017

ذكريات شيخ على المعاش (3)

ذكريات شيخ على المعاش
( 3 )
السعودى وقطيع البقر
طوال أكثر من ربع قرن كنت جوالا أعمل خارج مصر جعلتنى ظروف عملى أزور دولا كثيرة سواء عربية  أو أجنبية ( أوربية وأسيوية ) وكانت هذه الزيارات تتراوح بين زيارات تستمر شهورا وبعضها يستمر لأعوام

مبدأ مهم .. لن تعرف طبيعة شعب ما لم ترى حياتهم في بلدانهم وتعيش وسطهم
السعودية كانت من البدان التى كرهتها جدا لطبيعة أغلب أهلها .. أقول ( أغلب ) وليس ( كل ) وان كنت احيانا أجدد مبرر لهذه الطبيعة الكريهة فالسعودية واحدة من بدان قليلة جدا تلاحظ فيها وكأن أهلها أقلية بين من يعيشون فيها

ففى جدة على سبيل المثال حيث عشت لسنوات كنت اقابل غالبية من غير السعوديين في كل مكان والتواجد السعودى نادر

الشركات التى عملت بها كانت نسبة السعوديين فيها لا تتعدى احيانا 1% لذلك تجد الرجل السعودى يحاول ان يثبت انه صاحب الأرض والبلد وهذا الشعور يدفعه للتصرف بغباء يزيد من هذا الغباء اصوله البدوية

وهذا الغباء جعلهم مع مرور الوقت يشعرون ان الاجنبى في بلادهم يسرق خيرهم فيحاولون بكل الطرق سرقته أيضا ويعتبرون ان هذا حلالا فسرقة حقوق العامل الاجنبى لديهم هى مجرد استرداد لحقهم المغتصب ثم تطور الأمر الى تعودهم سرقة بعضهم البعض وسرقة حكومتهم أيضا

قد يتصور البعض ان السعودية بلد الحرمين بها الاسلام النقى واهلها ملائكة يمشون على الارض ولكن الحقيقة التى يعلمها فقط من يعيش بينهم ان السعودية هى أكثر البلدان التى تنتشر بها الرشوة والسرقة بل والدعارة أيضا

قد يصدمك هذا الرأى ولكن هى الحقيقة التى لا يراها الحاج او المعتمر وبالطبع لا يراها من لم يسبق له زيارة السعودية
قد يتبادر لك سؤال ولماذا عشت فيها وانا اراها بهذا السوء ؟
اقول لك
لقد قمت والحمد لله بالحج مرتين والعمرة عدة مرات وانا أعمل في مصر وكأى مسلم تعلق قلبى بالكعبة وبالحرم المدنى وتمنيت ان اعيش بجوارهما لذلك ما ان ظهرت لى فرصة عمل في جدة حتى قبلتها رغم ان راتبى فيها كان يقل قليلا عن راتبى في مصر وقتها ولكنى قبلت لانى ساكون بجوار مكة فاعتمر واحج بتكلفة بسيطة وفى اى وقت اريد

وبالفعل سافرت وأقمت في جدة وكنت لسنوات طويلة اقوم بالعمرة ثلاث مرات في الشهر وقمت بالحج من داخل السعودية عدة مرات

تنقلت بين عدة شركات وللعلم الشركة هناك لابد وان يكون صاحبها سعودى ونظرا لانى كنت في أعلى السلم الوظيفى فقد كنت اتعامل مع السعودى صاحب الشركة في كل الشركات التى عملت بها وقد لا تصدق ان كلهم ( كلهم ) كان اكل حقوق الغير لديهم مباحا

آخرهم .. آخر من عملت معهم قبل نزولى مصر هو ( أبو نايف ) صاحب شركة مقاولات تعمل في رصف الطرق وكانت احدى الشركات المنفذة لقطار الحرمين وهو مشروع مهم جدا وتعمل به الكثير من الشركات تحت مظلة ائتلاف الراجحى وبمراقبة من الحكومة والمفترض ان تكون سكة القطار وكذلك الطرق التى تجاورها على أعلى مستوى من الدقة لذلك تجد هناك الكثير من المعامل التى تختبر والتى تستلم والتى والتى ... المهم

ابو نايف صاحب الشركة هو رجل ملتزم ... ركز معايا من فضلك

رجل ملتزم بمعنى انه يرتدى ثوب يصل لنصف ركبته وله لحية تغطى صدره
وفى مكاتب الشركة هناك مصلى يكون فيها ابو نايف الامام ويغضب بشدة ان تأخر احد الموظفين عن صلاة الجماعة  !!
يغضب بشدة ان سمع احد الموبايلات وصوت الرنين به موسيقى فهى حرام
يغضب بشدة ان تحدث مع احد وكانت تفوح منه رائحة الدخان ... اقول تفوح منه فقط اما التدخين فهو كبيرة من الكبائر ... التدخين حرام
لكن الحقيقة انه حرامى

ابو نايف يمتلك مئات المعدات وسيارات النقل ولها ورشة مهولة يعمل بها العديد من العمال والورشة ملحق بها سكن للعاملين يعيش فيه اكثر من مائة من السائقين والفنيين

ونظرا لانى مدير الشركة كان المفترض ان اقوم بتنظيم هذه الورشة لايقاف الهدر في مصاريف الصيانة وفى اول زيارة وجدت مولدات الكهرباء لا تعمل ولكن الورشة للعجب تعمل والمكيفات تهدر فسألته كيف هذا فكان رده ببساطة انه وصل كابل كهرباء خلسة على المحول العام ويدفع راتب لفنى صيانة المحول
يعنى ببساطة يسرق كهرباء من الحكومة ولما قلت له انه حرام قبل ان يكون جريمة
ضحك ضحكة صفراء وقال ( كلهم يفعلون هذا )  دعك من الكهرباء واجعل تركيزك في الزيوت والشحوم والكفرات ونظم العمل

لا اخفيكم انى وجدت سرقة في المخازن بمئات الآلاف .. المهم قمت بشراء برامج كمبيوتر وجعلت الدورة المستندية محفوظة على اجهزة الكمبيوتر حتى يمكن قياس الاستهلاك والمقارنة مع التوريد وتحديد من يقوم بالاستخدام وبالطبع انخفضت السرقات بنسبة لا بأس بها

المصيبة التانية كانت في توريد خامات رصف الطرق فهى لها مواصفات حتى تحتمل تلك الطرق لسنوات ولما بدات مطابقة التوريد على المواصفات المستلمة من الاستشارى للمشروع واخبرته ان خلطة الخامات بها مشاكل وان الاستشارى لو اخذ عينة سيوقف عمله تماما قال انه يدفع مرتبات لفنيين المعامل ولا خوف منهم
ثم اكمل الحلقة فقام بتوظيف الفنى الذى يستلم الخلطات في الشركة من الباطن
مصيبة اخرى .. يا ابو نايف كدة حرام .. ضحك نفس الضحكة الصفراء وقال عبارته الشهيرة ( كلهم يفعلون ذلك )
وليذهب قطار الحرمين الى الجحيم

كانت مصيبته الثالثة معى هى النصب على شركات توريد المعدات التى يرغب في شراء المعدات منها بالتقسيط وكنت انا المفاوض معهم على الثمن وشروط الدفع وقيمة الفائدة وكان من اهم المستندات التى اقدمها كشوف حسابات الشركة في البنوك التى اكتشفت بمساعدة موظف الائتمان في شركة المعدات انها كشوف مزيفة فهى عبارة عن عدة حسابات تنتقل فيها النقود من حساب الى اخر فتعطى نتيجة حركة بالملايين وهى في الاساس عدة الوف
يخرب بيتك يا ابو نايف انت مش عاتق حد ؟
اين الحلال والحرام ؟
التبرير ( كلهم يفعلون ذلك )
انها سياسة القطيع .. قطيع من البقر البدوى يرى الحرام في دخان سيجارة ولا يراه في سرقة الدولة طالما الكل يفعل ذلك
سياسة القطيع ليست مع ابو نايف فقط بل نجدها منتشرة كثيرا بيننا
فكلما كان الحرام يفعله الكثيرين فلا يتورع احد عن فعله
كثيرين يسرقون الحكومة والتبرير ( كلهم يفعلون ذلك )
كثيرين يقدمون الرشوة والتبرير ( كلهم يفعلون ذلك )
كثيرين يقبلون الرشوة والتبرير ( كلهم يفعلون ذلك )
كثيرين يسرقون في الميزان والتبرير ( كلهم يفعلون ذلك )
قف
الحرام يظل حراما وان فعله الملايين
كلنا محاسبون على اعمالنا ولا تبرير لفعل الحرام
ابدأ واهتم بنفسك واسالها هل هو حلال ام حرام مهما فعله الكثيرين
لا تكن فردا في قطيع

انت انسان ولست بقرة 

السبت، 18 نوفمبر 2017

ذكريات شيخ على المعاش (2)

ذكريات شيخ على المعاش
( 2 )
الحلم الناقص
لكل منا حلم أو هدف يتمنى تحقيقه وكما قلت كان حلمى ان أعيش فترة المعاش بشكل معين وطوال سنين العمل كان يمر بخاطرى تفاصيل هذا الحلم

كنت كلما زادت علىّ ضغوط العمل اهرب للحظات أفكر في حلمى عند الاستقرار وكأنى مخرج سينمائى يرتب مشاهد فيلمه وكان هذا الفيلم يتضمن أسلوب حياة مريح بسيط يتمثل في الاستيقاظ لصلاة الفجر وقراءة القرآن لفترة حتى ظهور ضوء النهار والجلوس في الشرفة لمراقبة الناس في ذهابهم الى مدارسهم واعمالهم لفترة ثم
ارتداء ملابسى وعمل القهوة في ترمس ثم الخروج لشراء الصحف والذهاب الى النادى

ممارسة المشى لمدة نصف ساعة لتنشيط الجسم ثم الجلوس في التراس لقراءة الصحف وشرب القهوة من الترمس الخاص بى  ونظرا لعملى في السعودية لسنوات طويلة في جو حار كان حلمى دائما انى سأمارس هذه الطقوس في جو بارد يتخلله زخات من المطر

لكن حتى هذه الطقوس البسيطة لم احصل عليها

تقاعدت نعم ولكن تقاعد لظروف صحية تمنعنى من المشى او بذل مجهود

حلم ناقص
ولكنى طوعت نفسى على ان استمتع بما حصلت عليه من هذا الفيلم الذى كان في مخيلتى
أشرب القهوة في شرفة منزلى واتصفح بعض الكتب عوضا عن الصحف التى لم يعد فيها ما يشجع على القراءة واستبدلتها بتصفح بعض المواقع على النت

بالأمس وجدت ايميل من منظمة التجارة العالمية جعلنى ارجع بفكرى لسنوات

في يناير وفبراير 2011 كنت في جولة في المانيا للترتيب لمشروع انشاء مصنع كبير لانتاج الحلويات
وكان الترتيب لهذا المصنع يشمل دراسة كل ما يخصه من ماكينات ومواد خام وعمال وموظفين وايضا التسويق له سواء داخل السعودية او خارجها
فاشتركت في منظمة التجارة العالمية لتوافينى بحركة تلك المنتجات سواء من حيث الانتاج او التصدير والاستيراد في العالم كله

كان الناس في مصر يقومون بثورة غيرت وجه الحياة هنا وكنت انا في المانيا اتنقل من شركة الى اخرى اناقش مواصفات الماكينات واناقش اسعار وظروف تمويل

كم احببت المانيا
بلد جميل وشعب ملتزم

سرحت بخيالى في الفرق بين ماكنت افعله ايامها وبين اليوم
وحيدا في المانيا اتنقل بين مدنها المختلفة طبقا لجدول مسبق كان يعجبنى جدا التنقل بالقطار وعادة ما كانت الفنادق قريبة من محطات القطار فكنت اذهب اليها مشيا اتصفح الوجوه والمحلات .. اعرج على بعض المطاعم اتناول طعامى . . اسير في الطرقات في جو شديد البرودة ولكن ممتع جدا

بقدر ما استمتعت في هذه الرحلة الطويلة بقدر ما اضحك بشدة كلما تذكرتها

اضحك لفشل هذا المشروع

كما قلت هو كان مشروع لانتاج الحلويات وبدون غرور ولكنها الحقيقة قمت بالتحضير له بكل ضمير وايضا براعة ... دراسة ماكينات وخامات ومبانى وعمال وزيارة شركات الماكينات والخامات وايضا شركات مماثلة في الانتاج واصبح المشروع جاهزا على البداية

هنا تدخل سكرتير المستثمر السعودى بالفهلوة  المصرية اقنعه ان ينهى عملى ويكفى ما حصلت عليه من مقابل ويكفيه الحصول على الملفات التى لدى لاستكمال المشروع بمعرفته توفيرا للنفقات
حيث كان اتفاقى مع الرجل السعودى على مقابل يدفع بعد انتهاء كل مرحلة

السعودى الغبى وافقه وطلب منى وهو يبتسم ابتسامة صفراء كل ما لدى من ملفات لدراستها !!!

رغم انى كنت ارسل له نسخة من كل المراسلات والمفترض ان سكرتيره كان ينظمها في ملفات لكنى تجاهلت معرفتى انه يريد ان يزيحنى ويكتفى بهذا القدر من العمل

المهم

سلمته الملفات كلها ووقتها اخبرنى انه لا يريد منى الاستمرار وسيكمل الامر بنفسه وبالطبع كان لى مستحقات عنده راوغ في دفعها
الظريف في الامر
انه بعد هذه المقابلة بشهرين اتصل بى السكرتير المصرى ليخبرنى ان الرجل السعودى غاضب جدا ويتهمنى بعدم الضمير

اه والله

عدم الضمير لانى لم اكتب تقرير وافى على كل ملف اشرح فيه ما يتضمنه وانهم تائهين بين الملفات ويريدون منى ان اذهب لهم لترتيبها وشرح محتواها

ضحكت يومها بشدة وانا اغلق الخط في وجهه
ولازلت اضحك كلما تذكرته

بالمناسبة المشروع توقف ولم يتم واكتشفت ان السعودى كان له شركاء انقلبوا عليه بعد خروجى واتهموه بالغباء وعدم الدراية وانفضت الشركة

كان هذا هو المشروع الوحيد الذى فشلت في انهائه لكنه المشروع الوحيد الذى يذكرنى بايام جميلة قضيتها في المانيا ويذكرنى ايضا ان حلمى الذى حلمت به حلما ناقصا كلما تذكرت جولات طويلة في شوارع المدن الالمانية اسير فيها على قدمى وحالى الان وانا لا استطيع المسير لخطوات دون عكاز
.....
لست حزينا على عدم اكتمال الحلم بل انى والله احمد الله على ما تحقق منه
فالعاقل من يشكر الله على ما به من نعمة ولا يتحسر على ما فاته
الحمد لله
خذها نصيحة منى استمتع بما في متناول يدك ولا تضيع وقتا في الحزن على ما فات فالدنيا لن تكون الجنة ابدا والجنة وحدها هى ما بها الحياة الكاملة بدون منغصات
متعكم الله بالصحة والعافية

والى لقاء اخر مع تخاريف الرحال او لنقل مع ذكريات شيخ على المعاش 

الجمعة، 17 نوفمبر 2017

ذكريات شيخ على المعاش (1)

ذكريات شيخ على المعاش
( 1 )
على مدار أكثر من أربعين عاما هى عمر حياتى العملية كنت أحلم باليوم الذى أخرج فيه على المعاش ولا يكون مفروضا ان أستيقظ مبكرا للذهاب الى عملى ولا أشغل بالى بمقتضيات العمل او التخطيط لمشروع جديد او التفكير في مشروع قائم بما يحمله من قلق سواء كان من التفكير في مشاكل العمل او الرغبة في تحسينه او حتى من مشاكل مع العاملين معى فيه

كنت أحلم بالجلوس في منزلى في مصر ( أغلب فترات عملى واصعبها كانت خارج وطنى ) اصلى الفجر ثم أقرأ ما تيسر من القرآن وبعدها لا التزم بجدول محدد وكنت احلم ان استقبل ضوء الشمس في شرفة المنزل اراقب الآخرين وهم يهرولون الى مدارسهم او اعمالهم وانا ارتشف قهوتى باستمتاع

استمتاع انى لست مثلهم بل استمتع بمتعة رائعة هى انى اعرف ان من حقى ان انام في اى وقت او اشاهد التليفزيون او اتصفح كتاب

أربعون عاما وانا احلم بتلك المشاعر دون التوقف عن العمل لمقتضيات الحياة وكانت لحظة التوقف عن العمل وبداية المعاش دائمة مؤجلة لأسباب عديدة قد تكون ادخار ما يلزم لتعليم الأبناء وبعد الانتهاء منها  تلتها فكرة الاستعداد لتزويجهم  وهكذا

الى ان جاء يوم وأصبت بأزمة صحية شديدة تهدد حياتى استلزمت اجرا جراحة خطيرة والحمد لله مرت الأزمة بسلام وفى أول يوم يزورنى فيه الجراح البارع الذى قام باجراء العملية يهنئ بالسلامة كان حديثه قاطعا

( آن لجسدك ان يستريح ) لابد وأن تتوقف عن العمل وبذل اى مجهود فقلبك الضعيف لم يعد قادرا على الاستمرار على هذا المنوال بعد ان اضيفت الى متاعبه مشاكل شرايين جسدك المجهدة

يا الله

اخيرا ورغما عنى سأعيش حياة المعاش التى طالما تمنيتها

وبالفعل طوال الشهور الماضية وأنا أعيش في منزلى بمصر لم أغادره الا مرات قليلة جدا لضرورة ملحة

أعيش كما تمنيت
أصلى وأقرأ ما تيسر من القرآن ثم أخرج الى الشرفة ارتشف قهوتى واراقب الآخرين وهم في طريقهم لأعمالهم

وان كنت أضفت لما حلمت به سابقا نشاطا بسيطا في بعض الأيام حسب ما تحتمل ساقى ان تحملنى وهو الوقوف في المطبخ لابتكار صنف جديد من الطعام او طهو صنف من الطعام أعجبنى وكنت تناولته اثناء جولاتى في بلاد الله الواسعة

بالطبع
أصبح لدى الوقت الكافى لتذكر مواقف عديدة حدثت لى اثناء مشوار حياتى بعضها طريف وبعضها مؤلم وبعضها لا استطيع وضع تصنيف له فقد يكون دالا على غباء او على طيبة او على سذاجة .. لا أدرى وسأترك لمن له صبر على قراءة كلماتى ان يصنفه طبقا لما يراه
وعلى سبيل المثال
تذكرت اليوم انى طوال حياتى العملية سواء في مصر او في خارجها كنت أسارع بمساعدة غيرى على الالتحاق بمكان عملى
لم يلجأ الى شخص يوما طالبا عمل في شركة او مصنع أعمل به الا ساعدته في الالتحاق به وجاهدت ليكون راتبه في افضل الظروف

الغريب ان كل ( والله فعلا كل ) من ساعدتهم في الالتحاق بالعمل يكون هو سبب تركى لهذا العمل

اكرر القسم والله ما من شخص كنت سببا لالتحاقه بشركة اعمل بها الا كان سببا في مغادرتى لهذه الشركة

سواء في مصر او في خارجها وعلى سبيل المثال في السعودية ما من مصرى او عربى ساعدته للعمل في شركة اعمل بها الا كان سببا في مغادرتى لها سواء بالوقيعة بينى وبين مالكها او رئيسى فيها

الغريب انى لم اتوقف يوما عن مساعدة الآخرين ولم يلجا لى احد ورددته

ترى هل هذا سذاجة ام غباء
والاغرب انى لست نادما على سذاجتى هذه


والى لقاء قادم مع مزيد من ذكريات شيخ على المعش 

الخميس، 2 نوفمبر 2017

حديث وشرح مختصر ( 1 )

يطيب لى اليوم ان أبحر فى بحور أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنأخذ مقدمة بسيطة عن راوى حديث اليوم وهو أبو بكر الصديق رضى الله عنه
اول من أسلم وقد أسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن ابى وقاص
له من الاحاديث المحفوظة مائة واثنان واربعون حديثا منها ثمانية عشر فى الصحيحين
واولها هو
 أنه قال لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : علِّمْني الدعاءَ أدْعو به في صلاتي. قال: قل:" اللهمَّ إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت، فاغفرْ لي مغفرةً من عندِك، وارحمْني، إنك أنت الغفورُ الرحيمُ 

الشرح
-
- اللهم : قال الزجاج وسيبويه وغالب النحويين انها بمعنى "يا الله " واستبدلت " يا" بالميم المشددة فى اخرها
- ظلمت نفسى : الظلم وضع الشيئ فى غير موضعه وظلم النفس اتباع هواها فيما يوجب عقوبتها او تركها لفضيلة او انقاص اجرها
- فأغفر لى : الغفران هو تغطية الذنب بالعفو عنه والغفر الستر وقال اللغويين المغفرة مأخوذة من الغفر وهو نبات تداوى به الجروح اذا وضع عليها ابرأها
- مغفرة من عندك : كيف يقول من عندك وهل يغفر الذنب الا الله ؟ الجواب ان معناها هب لى الغفران بفضلك ورحمتك وان لم اكن اهلا له

والله تعالى أعلى وأعلم 

الاثنين، 16 أكتوبر 2017

الغفلة / قصة ضحكة حزينة

الغفلة / قصة ضحكة حزينة

اقترب التلميذ من استاذه متعجبا من اطراقه وهو يراه يهز رأسه بين الحين والآخر معتقدا انه يفكر في تفسير قرآن او حديث كعادته ولكن هاله ان رأى دموعه تسيل في صمت

فساله منزعجا ما الذى يبكيك يا شيخنا

ابتسم الشيخ بحزن ونظر لولده بعيون باكية وهو يقول أبكى من غفلتى يا ولدى .. أبكى غضبا من غبائى

مساء أمس بلغنى خبر وفاة صديق وجار قديم .. فارقت روحه عقال جسده بين العصر والمغرب فرأى أهله ان يجعلوا بدفنه بعد صلاة المغرب

جال بخاطرى سؤال سريع ولماذا العجلة .. الا ينتظرون الى ظهر الغد حتى يدفن في النور
ثم ضحكت من غبائى فماذا سيفرق معه النور

ثم رأيت نفسى وانا محمولا على الاكتاف ينزلون بى الى قبرى .. يزيلون عنى رباط الكفن ليسمحوا للجسد ان يتعفن في ظلام القبر

نظرت بعين القلب والبصيرة  فرأيت جسدى العارى وهو يوارى الثرى في ظلام القبر الرطب  حتى لو كنا وقت الظهيرة

رأيت يا ولدى آخر شعاع من الضوء وهم يغلقون على قبرى عاريا اتنشق رائحة التراب والخوف

سألت نفسى يا ولدى بعدها ماذا أعددت لهذه اللحظة
سألت نفسى يا ولدى بعدها ماذا اعددت لحياتى في قبرى
بكيت خوفا .. وبكيت غضبا من غفلتى

حاول التلميذ ان يهون الأمر على شيخه قائلا ولكنك يا شيخنا متعبدا لا تؤذى احدا

هز الشيخ رأسه وقال بحزن شديد لا يكفى يا ولدى واستمرت دموعه تسيل
وقف التلميذ ذاهلا لا يدرى ماذا يقول

انتفض الشيخ وقال هذا هو بعض العزاء والأمل
سأله تلميذه وما هو ؟

قال : من حديث طويل في صحيح مسلم برواية أبو مالك الأشعرى
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ..... والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء ..
هى يا ولدى الأمل .. الصلاة والصدقة والصبر وما أشق التمسك بهم على النفس
ولكن أسأل الله الكريم ان يعيننى عليهم

سأله تلميذه ولما تقول انها شاقة

قال الشيخ لهذا حديث قادم ودعنى الآن اتدبر أمرى وأدفع عن قلبى الخوف من رطوبة القبر
ثم قرأ قول الله تعالى

﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ  [إبراهيم: 27].

اللهم اجعلنا من الذين آمنوا ونعوذ بك وبكرمك ان نكون من الظالمين 

الأحد، 1 أكتوبر 2017

خجل الشيخ / قصة قصيرة

التقصير / قصة قصيرة
جلس الشيخ شاردا ينظر الى الآفاق صامتا ويتمتم بكلمات غير مسموعة وهو يداعب حبات مسبحته
اقترب منه ابنه قلقا يظن ان أصابه مكروه وهاله أن رأى في عينيه آثار دموع فسأله هلعا
أتبكى يا والدى ؟ أبك وجعا او اصابك مكروه ؟

انتبه الشيخ وقال : ليت الدموع يا ولدى تغسل قلوبنا كما تغسل اعيننا

حاول الابن الشاب ان يمازح والده عسى ان يخرجه من حزنه قائلا
حدثنى يا والدى ألست بكاتم أسرارك ؟ حدثنى أيها الشيخ بما فعلت ويبكيك

تنهد الشيخ واستغفر وقال
أبكى يا ولدى خجلا ثم انفجر في البكاء وجسده يهتز بشدة

ازداد قلق الشاب على والده الشيخ وهو لايدرى ماذا يفعل فاحتضنه قائلا ارجوك حدثنى بما يحزنك عسى ان تجد لدى حلا لما تشعر

هدأ الشيخ وقال
ابكى خجلا يا ولدى .. خجلا من ربى
منذ شهور طويلة كنت أعانى مرضا عضال وكنت اصارع الموت كما تعلم بل انى استسلمت لقدرى وجلست انتظر الموت في سكينة ولكن ربى الرحيم أراد لى أن أعيش لفترة إضافية عسى ان أعمل على تحسين صحيفة أعمالى
واليوم يا ولدى تذكرت ذلك اليوم الذى جلست فيه معتقدا بقرب النهاية مستسلما لمرضى ولكن الرحمن الرحيم أرسل لى يد عنايته بطبيب بارع عالج ما بى من قصور وعدت لأعيش حياة طبيعية رغم انى اتحرك بصعوبة على عصاى الا انى اعيش

أعيش نعم ... ولكن كما يعيش كل لاهى مغتر بالأيام

اليوم يا ولدى تذكرت ما أنا فيه من نعم وسألت نفسى ماذا فعلت بتلك الهبة من الكريم فوجدتنى مقصرا في شكر نعم الله
أذوب خجلا من خالقى يا ولدى

تنهد الشاب مستريحا وقال ليفرج هم ابيه ولكنك يا والدى متعبد مقيم لصلاتك فأين التقصير ؟

تبسم الشيخ رغم حزنه وقال : هذا يا ولدى هو أداء ما علىّ من فروض فأين شكر النعم

ثم أشرق وجهه وقال لقد علمت ما انا بفاعل
سأله الشاب هل ستزيد من صلاتك ؟ تبسم الشيخ وقال
يقول المولى عز وجل
{وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ }المنافقون10
يا ولدى هى الصدقة والعمل الصالح
ثم يقترن بها الاستغفار عسى ان يكون فيه اعتذار عن تقصيرى

يقول الحق تبارك وتعالى
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{135} أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{136} آل عمران

عاد الشيخ الى شروده وهو يتمتم بالاستغفار فانصرف عنه ابنه تاركا اياه في مناجاة ربه وهو يدعو الله ان يبارك له في عمر والده وان يشفق به الرحمن الرحيم