إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 18 نوفمبر 2013

مرزوقة .... مصر والمصريين


مرزوقة 
خرج صاحبنا فى الصباح الباكر ومع اشراقة الشمس يتوكأ على عصاه ويسير الهوينا مخترقا السوق بجوار منزله فهو يعشق روائح السوق المتداخلة قبل ان يغطى عليها غبار اليوم الناتج من زحمة الناس فى السوق
يتوكأ على عصاه بهدوء فخطواته اصبحت ثقيلة منذ مرضه  فهو بالرغم من الشيب الذى يغزو شعره ولحيته ليس بشيخا كبيرا

يسير مستنشقا روائح الخضروات الطازجة والفواكه التى تفرغها عربات التجار امام المحلات مختلطة بروائح السمك والفول والطعمية التى تنبعث من المطعم ويلفه صوت اذاعة القرآن الكريم الذى ينبعث من غالب المحلات فى السوق

تتسارع انفاسه مع حركته فيرى على مقربة منه احدى السيدات تفترش الارض وأمامها بعض اقفاص عليها خضروات ترشها بالماء وبجوارها طفل لا يتعدى اربعة سنوات نائم على بعض الملابس القديمة ويجرى حولها ولد وبنت يتقافزون فرحا لاهين عما حولهم
يقترب منها ويدور حوار سريع


- تسمحى لى يا بنتى اقعد اخد نفسى على الحجر ده
- اتفضل يا والدى ربنا يديك الصحة
- ولادك دول يا بنتى ؟ واللى نايم ده كدة ها يتعب يا بنت الناس ... غطيه الله يرضى عليكى
- ايوة ولادى باجيبهم معايا فى الصيف عشان مفيش مدارس والصغير ده يا عين امه صحيته من الفجر عشان ييجى معايا وانا باجيب الخضار ... كل يوم كدة بينام شوية هنا
- ابوهم فين ؟
- الله يرحمه مات من سنة وسابهم لى ... كان نفسه يشوفهم احسن ناس  وادينى باشقى عليهم وان شاء الله اعلمهم واربيهم احسن تربية زى ما كان عاوز
- يسرح قليلا محدثا نفسه ... هاتربيهم ازاى الله يعينك وانت يادوب بالعافية قادرة تاكليهم فيسالها فجأة ... فطرتيهم يا بنتى
- كلها شوية ونستفتح يا والدى وافطرهم احلى فطار ... احنا كل يوم بنفطر لما استفتح
- يشعر بقشعريرة وهو ينظر الى ما امامها من جرجير وفجل وغيره فقيمته كلها لا تتعدى فى نظره عشرين او تلاتين جنيه .... يسالها فجاة انت اسمك ايه
- خدامتك مرزوقة  !!
- انا عاوز منك خدمة يا مرزوقة ممكن ؟
- خير يا افندى ... خدمة منى انا ؟
- انا لسة مفطرتش ونفسى افطر معاكم انتم والعيال من الفطار اللى انت بتفطريه كل يوم بس النهاردة انا اعزمكم
- يا والدى والله كلها شوية ونفطر احنا مش محتاجين
- معلش يا ستى انا عاوز افطر مع العيال انت مالك بقى ؟ ... اخرج بضعة جنيهات
- تنادى على ولدها الكبير .... تعالى يا أمير خد الفلوس من عمك الحاج وهات لنا فطار زى كل يوم .... الولد ينظر الى النقود ويسالها : بس دول كتير ... اجيب مسقعة كمان يا امى والنبى
- يضحك الرجل ويقول هات مسقعة يا امير وخلى بالك زود الفطار النهاردة عشان اكل معاكم
- يجرى الولد بسرعة على مطعم قريب ويحضر الفول والطعمية والمسقعة والعيش وتفرش مرزوقة بعض الملابس التى كان ينام عليها الطفل الذى ايقظته ليتناول افطاره ويجلسون سويا يتناولون طعامهم والرجل ياكل وسطهم فى سعادة وهو يراهم يتناولون طعامهم بمتعة ..... يسالها بتتغدوا ايه يا مرزوقة ؟
- ترد والله يا والدى على حسب ... مرة زى الفطار ... ومرة اشترى شوية رز ولوبيا او عدس واطبخ لهم لقمة سخنة ... كله على الله واهى ماشية
- انا عاوز كمان خدمة يا مرزوقة ..... نفسى افطر معاكم كل يوم .... ممكن اسافر لكن برضه ها افطر معاكم
- تسافر وتفطر معانا ازاى يا والدى .... تضحك وهى تقول هو الفول اشتغل والا ايه ؟
- يرد ببساطة : كل يوم ها يجيلك الفطار ده سواء كنت انا معاكم او مسافر او حتى سافرت سفرى الطويل عاوز تفرشى نفس الفرشة وتفطرى واتاكدى انى ها اكون معاكم بافطر حتى وانا بعيد
- تنظر له وهى لا تفهم او تتعجب وتصمت
ينصرف الرجل الى المطعم ويجلس بجانب صاحبه ويساله عن مرزوقة فيخبره انها بتبعت تشترى منه كل يوم كمية بسيطة من الفول والطعمية ويعلم ان زوجها مات وكان يعمل جناينى واضطرت ان تبيع الخضار لتعول نفسها واولادها فيستعلم منه عن ثمن وجبة كل يوم ثم يخرج له ما يعادلها لمدة ستة شهور قائلا له انه يريد منه ان يرسل لها الوجبة ولكن مع المسقعة كل صباح دون انتظار ان تاتيه هى ويعطيه رقم تليفونه وياخذ منه رقمه ليتصل به ليساله عنها وليرسل له المزيد ان احتاج
فيساله الرجل عن اسمه فيقول سجل الرقم باسم الغريب ..... ينظر له الرجل طويلا ثم يرد له المال قائلا : خلى فلوسك فى جيبك يا عم الغريب الدنيا لسة بخير ... عهد عليا ان وجبتها تروح لها كل يوم طول ما انا عايش وبرضه بالمسقعة ويضحك سعيدا وهو يقول للغريب انا ها ابعت لها واقول لها دلوقتى فييطلب الغريب ان ينتظر حتى ينصرف ويحاول ان يدبر لها امرا مع البقال ومع صاحب محل الفراخ
باختصار : رفض صاحب محل الفراخ ان ياخذ ثمن دجاجة يرسلها لها كل اسبوع وقال كانها فرخة ماتت من اللى بيموتوا عندى كل يوم

 ورفض البقال ان ياخذ ثمن كيلوات قليلة من الارز والعدس واللوبيا وزجاجة زيت كل اسبوع وتعهد كل منهما ان يظل هذا راتبا طوال حياتهم

انصرف الغريب يتوكأ على عصاه ووقف بعيدا يراقب مرزوقة وهى تسير نحو صاحب المطعم بعد ان ارسل لها صبيه ثم تذهب للبقال وبتاع الفراخ
تذهب الى خضارها وعيناها تبحثان عن الغريب ... ولكنه يختفى عنها فترفع يديها للسماء ولا يعلم ماذا تقول
يسير الغريب وهو يحدث عصاه ... سبحان الله لم ادفع قرشا وها هى مرزوقة يرزقها الله بفضله بأهل الخير الذين يعيشون بجوارها شهور طويلة ..... سبحان الله فى الخير الكامن فى النفوس ولكنه يحتاج فقط من يفجر ينابيعه .... سبحان الله يا شعب مصر ويتمتم بدعاء لله الواحد القهار ... يا حليم يا كريم احفظ شعب مصر واحفظ الخير فى قلوبهم وفجر ينابيعه بينهم ... اللهم امين
 ويكمل مسيره نحو منزله
..............

الخير جواك .... اديله فرصة يطلع 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.